إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ
331 – (إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ).
والرقى : هي هنا كل ما فيه الاستعاذة بالجن أو لا يفهم معناها مثل كتابة بعض المشايخ من العجم على كتابهم لفظة (يا كبيكج) لحفظ الكتب من الأرضة زعموا.
والتمائم : جمع تميمة , وأصلها خرزات تعلقها العرب على رأس الولد لدفع العين , ثم توسعوا فيها , فسموا بها كل عوذة.
قلت : ومن ذلك تعليق بعضهم نعل الفرس على باب الدار , أو في صدر المكان , وتعليق بعض السائقين نعلاً في مقدمة السيارة أو مؤخرتها , أو الخرز الأزرق على مرآة السيارة التي تكون أمام السائق من الداخل , كل ذلك من أجل العين زعموا.
وهل يدخل في - التمائم – الحجب التي يعلقها بعض الناس على أولادهم أو على أنفسهم إذا كانت من القرآن أو الأدعية الثابتة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ للسلف في ذلك قولان , أرجحهما عندي المنع , كما بينته فيما علقته على الكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية.
والتولة : بكسر التاء وفتح الواو , ما يحبب المرأة إلى زوجها من السحر وغيره , قال ابن الأثير : (جعله من الشرك لاعتقادهم أن ذلك يؤثر ويفعل خلاف ما قدره الله تعالى).
الملائكة فقط هم الذين خلقوا من نور
458- (خلقت الملائكة من نور ، وخلق إبليس من نار السموم ، وخلق آدم عليه السلام مما قد وصف لكم).
في الحديث إشارة إلى بطلان الحديث المشهور على ألسنة الناس : (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر) , ونحوه من الأحاديث التي تقول بأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلق من نور , فإن هذا الحديث دليل واضح على أن الملائكة فقط هم الذين خلقوا من نور , دون آدم وبنيه , فتنبه ولا تكن من الغافلين.
وأما ما رواه عبدالله بن أحمد في " السنة " " ص 151 " عن عكرمة قال : (خلقت الملائكة من نور العزة , وخلق إبليس من نار العزة) , وعن عبدالله بن عمرو قال : (خلق الله الملائكة من نور الذراعين والصدر).
قلت : فهذا كله من الإسرائيليات التي لا يجوز الأخذ بها , لأنها لم ترد عن الصادق المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لا نبوة ولا وحي بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
473- (كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول : هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا ؟ ويقول: ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة).
والحديث نص في أنه لا نبوة ولا وحي بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا المبشرات : الرؤيا الصالحة , وهي جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة.
ولقد ضلت طائفة زعمت بقاء النبوة واستمرارها بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وتأولوا – بل عطلوا – معنى هذا الحديث ونحوه مما في الباب , وكذلك حرفوا قول الله تعالى : (وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)الأحزاب40 , بمثل قولهم : أي زينة النبيين , وتارة يقولون : هو آخر الأنبياء المشرعين , ويقولون ببقاء النبوة غير التشريعية.
ومن المؤسف أن أحدهم كان استخرج كلمات الشيخ محيي الدين بن عربي (النكرة) الدالة على بقاء هذه النبوة المزعومة من كتابه " الفتوحات المكية " في كراس نشر على الناس , ثم لم يستطيع أحد من المشايخ أن يرد عليهم , وكانوا من قبل قد ألفوا بعض الرسائل في الرد عليهم , وإنما أمسكوا عن الرد على هذا الكراس , لأن من مكر جامعه أنه لم يضع فيه من عند نفسه شيئاً سوى أنه ذكر فيه كلمات الشيخ المؤيدة لضلالهم في زعمهم المذكور , فلو ردوا عليه , لكان الرد متوجهاً إلى الشيخ الأكبر وذلك مما لا يجرؤ أحد منهم عليه , هذا إن لم يروه زندقة , فكأنهم يعتقدون أن الباطل إنما هو باعتبار المحل , فإذا قام فيمن يعتقدونه كافراً , فهو باطل , وأما إذا قام فيمن يعتقدونه مسلماً – بل ولياً فهو حق , والله المستعان.
فيما جاء في النذر
478- (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَأْتِي النَّذْرُ عَلَى ابْنِ آدَمَ بِشَيْء لَمْ أُقَدِّرْهُ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ يُؤْتِينِي عَلَيْهِ مَا لَا يُؤْتِينِي عَلَى الْبُخْلِ , وفي رواية : ما لم يكن آتاني من قبل).
أخرجه الإمام أحمد : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (فذكره).
قلت وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين , وقد أخرجاه في " صحيحهما " , وأبو داود , وغيرهم من طرق أخرى عن أبي الزناد به , إلا أنهم لم يجعلوه حديثاً قدسياً , وقد ذكرت لفظه ومن خرجه وطرقه في "إرواء الغليل".
ورواه النسائي من طريق أخرى عن سفيان به مختصراً.
وتابعه همام بن منبه عن أبي هريرة به.
أخرجه ابن الجارود , وأحمد بإسناد صحيح على شرطيهما , ولم يخرجاه من هذا الطريق , ولا بلفظ الحديث القدسي .
وللحديث طريق ثالث بلفظ : (لَا تَنْذِرُوا فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنْ الْقَدَرِ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) , أخرجه مسلم , وصححه الترمذي .
وقد دل هذا الحديث بمجموع ألفاظه أن النذر لا يشرع عقده , بل هو مكروه , وظاهر النهي في بعض طرقه أنه حرام , وقد قال به قوم , إلا أن قوله تعالى : (أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) : يشعر أن الكراهة أو الحرمة خاص بنذر المجازاة أو المعاوضة , دون نذر الابتداء والتبرر , فهو قربة محضة , لأن للناذر فيه غرضاً صحيحاً , وهو أن يثاب عليه ثواب الواجب , وهو فوق ثواب التطوع , وهذا النذر هو المراد – والله أعلم – بقوله تعالى (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) الإنسان 7 , دون الأول.
قال الحافظ في الفتح : (وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى (يوفون بالنذر) قال كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة ومما افترض عليهم فسماهم الله أبرارا , وهذا صريح في أن الثناء وقع في غير نذر المجازاة).
وقال قبل ذلك : (وجزم القرطبي في " المفهم " بحمل ما ورد في الأحاديث من النهي على نذر المجازاة فقال : هذا النهي محله أن يقول مثلا إن شفى الله مريضي فعلي صدقة كذا , ووجه الكراهة أنه لما وقف فعل القربة المذكور على حصول الغرض المذكور ظهر أنه لم يتمحض له نية التقرب إلى الله تعالى لما صدر منه بل سلك فيها مسلك المعاوضة , ويوضحه أنه لو لم يشف مريضه لم يتصدق بما علقه على شفائه , وهذه حالة البخيل فإنه لا يخرج من ماله شيئا إلا بعوض عاجل يزيد على ما أخرج غالبا . وهذا المعنى هو المشار إليه في الحديث بقوله " و إنما يستخرج به من البخيل ما لم يكن البخيل يخرجه " وقد ينضم إلى هذا اعتقاد جاهل يظن أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض , أو أن الله يفعل معه ذلك الغرض لأجل ذلك النذر , وإليهما الإشارة بقوله في الحديث أيضا " فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئا " والحالة الأولى تقارب الكفر والثانية خطأ صريح).
قال الحافظ : (قلت : بل تقرب من الكفر أيضا . ثم نقل القرطبي عن العلماء حمل النهي الوارد في الخبر على الكراهة وقال : الذي يظهر لي أنه على التحريم في حق من يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد فيكون إقدامه على ذلك محرما والكراهة في حق من لم يعتقد ذلك ا هـ . وهو تفصيل حسن , ويؤيده قصة ابن عمر راوي الحديث في النهي عن النذر فإنها في نذر المجازاة).
قلت : يريد بالقصة ما أخرجه الحاكم من طريق فليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث أنه سمع عبدالله بن عمر وسأله رجل من بني كعب يقال له مسعود بن عمرو , يا أبى عبد الرحمن إن ابني كان بأرض فارس فيمن كان عند عمر بن عبيد الله , وإنه وقع بالبصرة طاعون شديد , فلما بلغ ذلك , نذرت : إن الله جاء بابني أن أمشي إلى الكعبة , فجاء مريضاً فمات , فما ترى ؟ فقال ابن عمر : أولم تنهوا عن النذر ؟ إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( النذر لا يقدم شيئاً ولا يؤخره , فإنما يستخرج به من البخيل) , أوف بنذرك.
وبلجملة ففي الحديث تحذير للمسلم أن يقدم على نذر المجازاة , فعلى الناس أن يعرفوا ذلك حتى لا يقعوا في النهي وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
479- (النذر نذران : فما كان لله , فكفارته الوفاء , وما كان للشيطان , فلا وفاء فيه , وعليه كفارة يمين).
وفي الحديث دليل على أمرين اثنين :
الأول : أن النذر إذا كان طاعة لله , وجب الوفاء به , وأن ذلك كفارته , وقد صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ( مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ)متفق عليه.
والآخر : أن من نذر نذراً فيه عصيان للرحمن , وإطاعة للشيطان , فلا يجوز الوفاء به , وعليه الكفارة كفارة اليمين , وإذا كان النذر مكروهاً أو مباحاً , فعليه الكفارة من باب أولى , ولعموم قوله عليه الصلاة والسلام : (كفارة النذر كفارة اليمين) , وأخرجه مسلم وغيره من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه , وهو مخرج في " الإرواء ".
وما ذكرنا من الأمر الأول والثاني متفق عليه بين العلماء , إلا في وجوب الكفارة في المعصية ونحوها , فالقول به مذهب الإمام أحمد وإسحاق , كما قال الترمذي , وهو مذهب الحنفية أيضاً , وهو الصواب , لهذا الحديث وما في معناه مما أشرنا إليه.
مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ
492- (مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ).
أخرجه الإمام أحمد , والحارث بن أبي أسامة في " مسنده " ومن طريقه أبو الحسن محمد بن محمد البزاز البغدادي عن عبدالعزيز بن منصور : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَنْصُور عَنْ دُخَيْن الْحَجْرِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِر الْجُهَنِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ إِلَيْهِ رَهْطٌ فَبَايَعَ تِسْعَةً وَأَمْسَكَ عَنْ وَاحِد فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايَعْتَ تِسْعَةً وَتَرَكْتَ هَذَا قَالَ إِنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَطَعَهَا فَبَايَعَهُ وَقَالَ : (فذكره).
التميمة : خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم , يتقون بها العين في زعمهم , فأبطلها الإسلام , كما في " النهاية " لابن الأثير.
قلت : ولا تزال هذه الضلالة فاشية بين البدو والفلاحين وبعض المدنيين , ومثلها الخرزات التي يضعها بعض السائقين أمامهم في السيارة يعلقونها على المرآة , وبعضهم يعلق نعلاً عتيقه , في مقدمة السيارة أو في مؤخرتها , وغيرهم يعلقون نعل فرس في واجهة الدار أو الدكان , كل ذلك لدفع العين زعموا , وغير ذلك مما عم وطم بسبب الجهل بالتوحيد , وما ينافيه من الشركيات والوثنيات التي ما بعثت الرسل ولا أنزلت الكتب إلا من أجل إبطالها والقضاء عليها , فإلى الله المشتكى من جهل المسلمين اليوم وبعدهم عن الدين.
ولم يقف الأمر ببعضهم عند مجرد المخالفة , بل تعداه إلى التقرب بها إلى الله تعالى فهذا الشيخ الجزولي صاحب " دلائل الخيرات " يقول في الحزب السابع في يوم الأحد : (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد , ما سجعت الحمائم , وحمت الحوائم , وسرحت البهائم , ونفعت التمائم).
وتأويل الشارح لـ(الدلائل) بأن (التمائم جمع تميمة , وهي الورقة التي يكتب فيها شيء من الأسماء أو الآيات , وتعلق على الرأس مثلاً للتبرك) فمما لا يصح لأن التمائم عند الإطلاق إنما هي الخرزات , كما سبق عن ابن الأثير , على أنه لو سلم بهذا التأويل , فلا دليل في الشرع على أن التميمة بهذا المعنى تنفع , ولذلك جاء عن بعض السلف كراهة ذلك كما بينته في تعليقي على "الكلم الطيب".
يانعايا العرب
508- (يا نعايا العرب , يا نعايا العرب [ثلاثاً] , إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء , والشهوة الخفية).
تنبيه : الرياء , بالراء . ووقع في " الترغيب " و " المجمع " : الزنا , بالزاي . وقال المنذري : ( وقد قيده بعض الحفاظ " الرياء " بالراء والياء).
قلت : وكذلك هو في كل الكصادر المحفوظة وغيرها التي عزونا الحديث إليها , وكذلك أورده ابن الأثير في "النهاية" وقال
وفي رواية:"يا نعيان العرب" . يقال : نعى الميت ينعاه نعياً : إذا أذاع موته وأخبر به وإذا نربه , قال الزمخشري : في " نعايا " ثلاثة أوجه:
أحدها : أن يكون جمع " نعي " وهو المصدر كصفي وصفايا.
والثاني : أن يكون اسم جمع كما جاء في أخيه أخايا.
والثالث : أن يكون جمع نعاء التي هي اسم الفعل.
والمعنى : يانعايا العرب , جئن فهذا وقتكن وزمانكن , يريد : أن العرب قد هلكت , والنعيان مصدر بمعنى النعي , وقيل : إنه جمع ناع , كراع ورعيان , والمشهور في العربية أن العرب كانوا إذا مات منهم شريف أو قتل , بعثوا راكباً إلى القبائل ينعاه إليهم , يقول : نعاء فلاناً أو يانعاء العرب , أي : هلك فلان , أو هلكت العرب بموت فلان , فنعاه من نعيت , مثل : نظار ودراك , فقوله : نعاء فلاناً معناه : انع فلاناً , كما تقول : دراك فلاناَ , أي : أدركه , فأما قوله : "يانعاء العرب" مع حرف النداء , فالمنادى محذوف تقديره : ياهذا نع العرب , أو ياهؤلاء انعوا العرب بموت فلان , كقوله تعالى (ألا يا اسجدوا) , أي : ياهؤلاء اسجدوا , فمن قرأ بتخفيف (ألا)".
عقوبة من قتل مؤمناً متعمداً
511- (كُلُّ ذَنْب عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا).
أخرجه أبوداود , وابن حبان , والحاكم , وكذا أبونعيم , وابن عساكر من طريق خَالِدِ بْنِ دِهْقَانَ قَالَ:
كُنَّا فِي غَزْوَةِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ بِذُلُقْيَةَ فَأَقْبَلَ رَجُلُ مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَخِيَارِهِمْ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ لَهُ يُقَالُ لَهُ هَانِئُ بْنُ كُلْثُومِ بْنِ شَرِيك الْكِنَانِيُّ فَسَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَكَرِيَّا وَكَانَ يَعْرِفُ لَهُ حَقَّهُ قَالَ لَنَا خَالِدٌ فَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَكَرِيَّا قَالَ سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (فذكره).
والحديث في ظاهره مخالف لقوله تعالى (إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ) , لأن القتل دون الشرك قطعاً , فكيف لا يغفره الله ؟ وقد وفق المناوي تبعاً لغيره بحمل الحديث على ما إذا استحل , وإلا فهو تهوبل وتغليظ , وخير منه قول السندي في حاشيته على النسائي : (وكأن المراد كل ذنب ترجى مغفرته ابتداء إلا قتل المؤمن فإنه لا يغفر بلا سبق عقوبة وإلا الكفر فإنه لا يغفر أصلا ولو حمل على القتل مستحلا لا يبقى المقابلة بينه وبين الكفر [يعني : لأن الاستحلال كفر , ولا فرق بين استحلال القتل أو غيره من الذنوب , إذ كل ذلك كفر] . ثم لابد من حمله على ما إذا لم يتب وإلا فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له كيف وقد يدخل القاتل والمقتول الجنة معا كما إذا قتله وهو كافر ثم آمن وقتل).
النهي عن سب الدهر
531- (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ يَا خَيْبَةَ الدَّهْر [وفي رواية : يَسُبُّ الدَّهْرَ] فَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا).
معني الحديث :
قال المنذري : (ومعنى الحديث : أن العرب كانت إذا نزلت بأحدهم نازلة وأصابته مصيبة أو مكروه , يسب الدهر اعتقاداً منهم أن الذي أصابه فعل الدهر , كما كانت العرب تيتمطر بالأنواء وتقول : مطرنا بنوء كذا , اعتقاداً أن ذلك فعل الأنواء , فكان هذا كاللاعن للفاعل , ولا فاعل لكل شيء إلا الله تعالى خالق كل شيء وفاعله , فنهاهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك.
وكان [محمد] بن داود ينكر رواية أهل الحديث : " وأنا الدهر " بضم الراء ويقول : لو كان كذلك كان الدهر اسماً من أسماء الله عز وجل , وكان يرويه : " وأنا الدهر أقلب الليل والنهار " بفتح راء الدهر , على النظر في معناه : أنا طول الدهر والزمان أقلب الليل والنهار , ورجح هذا بعضهم ورواية من قال : "فإن الله هو الدهر " يرد هذا , والجمهور على ضم الراء , والله أعلم".
وللحديث طريق أخرى بلفظ وهو:
532- (لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ أَنَا الدَّهْرُ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي لِي أُجَدِّدُهَا وَأُبْلِيهَا وَآتِي بِمُلُوك بَعْدَ مُلُوك).